عدم دستورية التنفيذ القسري لوعود البيع من جانب واحد
هناك من يطعن بعدم دستورية المادة 1124 من القانون المدني الفرنسي الجديد (انظر مقال الصفحة 122 من العدد الأول من مجلة القانون الخاص الفرنسي)، والتي تعتبر العقد تاما ناجزا ولو تم التراجع عن الوعد الاحادي الجانب قبل ان يعلن المستفيد رغبته في اخذ الشيء الموعود به.
نشير هنا ان التراجع بعد اعلان المستفيد رغبته غير ممكن، بل العقد يكون قد ابرم وانجز، ويجب تنفيذ مقتضياته هنا، نحن نتحدث عن التراجع عن الوعد قبل اعلان الرغبة، كما انه في الوعد من جانبين اثنين، أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، لا يستقيم، فالعقد يكون مبرما واي عدول يترتب عليه المطالبة بالتنفيذ القسري للعقد، نحن هنا نتحدث عن الوعد من جانب واحد.
وتجدر الإشارة ايضا ان التراجع عن الوعد في حد ذاته خطأ عقدي او تقصيري، ويجب اصلاحه، نقاشنا هنا عن الجزاء والعقاب المناسب لهذا الخطأ، التعديل الجديد جاء لكي يشدد العقوبة بشكل غير متناسب ولا يوافق طبيعة الوعد، بان يكون العقاب هو نزع الشيء الموعود من مالكه، واعطائه قسرا وبالقوة للمستفيد من الوعد، وهذا ما لا يجوز، حيث تطعن فيه كاتبة المقال ادناه عن صواب بعدم الدستورية، وعدم التناسب بين الخطأ والعقاب او الجزاء، وان التنفيذ القسري والجبري للوعد هو مساس بمبدأ الحرية التعاقدية، لا يمكن لعقد تحضيري، ان يجمد رضا شخص ما للأبد حتى يستفيد منه الموعود له متى شاء لإبرام عقد ثان.
يقضي القضاء قبل هذا التعديل خاصة منذ قرار 15 دجنبر 1995، بان جزاء عدم احترام الوعد هو اداء مبلغ من المال، قل او كثر حسب سوء نية الواعد، الذي اخلف الوعد من اجل ابرام صفقة اكثر ربحا، يعاقب بشدة، ولكن لا يصل العقاب بان يبطل العقد مع المشتري حسن النية، وان يبرم قسرا وجبرا مع المستفيد من الوعد، وقد اصرت محكمة النقض الفرنسية على اجتهادها رغم اجتماع كل فقهاء السلطان، اليوم صاروا فقهاء لوبي المال والاعمال، واذ لم يستطيعوا اقناعها، مروا الى الآلة التشريعية، لفرض ما يريدون بالقوة، فعمدوا الى المادة 1124 من القانون المدني لسنة 2016 لتنص على ان "عدول الواعد عن وعده خلال الأجل الممنوح للموعود للتعبير عن رغبته، لا يمنع من ابرام العقد الموعود به" يا سلام على الفقه، ويا سلام على التشريع كيف يكون، التنفيذ القسري لوعد بإرادة منفردة غير ناقل للملكية يؤدي الى النقل الجبري للملكية، حسب هذا الفقه ان الواعد سبق له ان اعطى رضاه، بشكل يجعلون محل وموضوع الوعد هو الرضا، وهذا الأخير لا يمكن وغير جائز وغير مشروع قانونيا ان يكون محلا وموضوعا لعقد ما، لأن ذلك مساس بحرية التراضي من عدمه.
نحن هنا نستبق الاحداث، لعلمنا انه قريب جدا ذلك اليوم الذي سيأتي الدور على التشريعات العربية كي تحدو حدو مصدرها التقليدي الا وهو القانون الفرنسي، ونود ان ننبه، ونُكون رايا عاما من القانونيين الشرفاء الذين لا يشترون بالمال لنقف في وجه هاته التعديلات المجحفة التي جاء بها القانون المدني الفرنسي الجديد، والتي يرجون تصديرها لباقي الدول التي سبق لها وان اقتبست من قانون نابليون لسنة 1804.
محمد بلمعلم
باحث في القانون الخاص جامعة باريس 1 بنتيون - السوربون |
------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق