الاثنين، 18 أغسطس 2025

دفع الالتباس، أ.د. سلمان بن نصر الدايه

 


دفع الالتباس (1)

استدل بعض الأفاضل بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: 123] على دنو نصر الغزيين على عدوهم، وأقسم على ذلك؛ وذلك أن الذلة المظنونة في قلة العدد والعدة ليست مانعا من النصر، وغزوة بدر شاهد على ذلك، ويوشك أن يجري علينا القدر الذي قدر الله لهم، فننتصر كما انتصروا.

 

أقول وبالله التوفيق: لا يسوغ إلحاق فرع بأصل حتى يعلم أن مناط الأصل حاضر في الفرع، ولا يتأتى ذلك إلا بعد إعمال مسالك العلة للاهتداء إلى المناط المناسب للحكم، ولما كان المناط غير محدد بدليل الشرع في القلة المنصورة؛ لابد من إعمال النظر في أوصاف القلة ذات المناسبة لحكم الظفر والنصر، وهذا لا يدرك إلا بعد إعمال بعض مسالك العلة كالسبر والتقسيم وتنقيح المناط وتخريجه، فأما السبر: فهو الفحص والتأمل في أوصاف القلة، وأما التقسيم: فهو إحصاء صفات أهلها جميعا، وأما التنقيح: فهو إطراح الوصف الذي لا تربطه بحكم النصر مناسبة؛ فيخلص لنا بعده الأوصاف ذات المناسبة للحكم، وقد تكون وصفا وقد تكون أكثر منه، وهذا يقودنا إلى تخريج المناط المناسب لحكم النصر، فإذا عرفناه نستطيع أن نعمل القياس عندئذ، ونحكم بمظنونية النصر للقلة التي يتحقق وجود المناط فيها، وعندئذ يمكن أن نلحقها بارتياح بقلة المؤمنين يوم بدر، ونظن انتصارها على الكثرة الكافرة بإذن الله.

والمتأمل في أوصاف القلة البدرية يجد أوصافا معنوية وأخرى حسية تربطها بحكم النصر مناسبة، من الأوصاف المعنوية: الفهم الصحيح لعبادة الجهاد؛ لأنه بريد الإخلاص لله، وصلاح العمل، وناهيك بهما تأثيرا في النصر([1]  ومنها التزود بالتقوى، والاعتصام بحبل الله([2])، والاستغاثة به في طلب العون والنصرة([3])، وكثرة الذكر لله([4])، والخضوع والانقياد لأمره وأمر نبيه، والسلامة من الفرقة والتنازع[5])، والتجرد عن الأهواء والشهوات، والحول والقوة البشرية[6]، والبراءة من الولاء الفاسد لكافر أو مبتدع[7]، فهذه أوصاف معنوية ذات مناسبة متفاوتة في التأثير في حصول النصر بإذن الله.

ومن الأوصاف الحسية: الاجتماع على قيادة واحدة[8]، ورص الصف[9]، وكونها طليقة غير محاصرة[10]، والتقارب في الشوكة بينها وبين عدوها (وهو ما كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وعدوه في الغزوات كلها، فإن السلاح واحد: سيف ورمح ونبل ومنجنيق، وليس ثمة تفاوت إلا في العدد والظهر.)، وبُعدها عن البيوت المأهولة بالذراري والأهلين (فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل عدوه قط في زقاق المدينة ولا بين بيوتها، ولم ينغمس أصحابه في أهل المدينة ولم يتترسوا بهم.)،

فهذه أوصاف القلة البدرية ذات المناسبة والتأثير في الظفر والنصر، فمتى تحققت هذه الأوصاف في قلة مؤمنة تواجه كثرة كافرة؛ ظن لها الظفر والغلبة، وهذا ليس بدعا من القول؛ بل ما أرشدت إليه أدلة السمع بدلالات العبارة والإشارة والإيماء، وأرجو من القارئ الكريم أن ينظر إلى أدلة ما ذكرت في الحاشية إضافة إلى تأمله فيما أثبته في متن هذه الورقات؛ قال تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249] هذا الجزء من الآية خبر عن القلة التي استعلت على شهوتها، وانتصرت على نفسها، وانقادت لأمر نبيها، وآثرت رضا ربها[11]، فقويت في ذاتها، وعظمت في عين عدوها، فانهزم لها، وكان النصر حليفها، ومتى غلبتها شهوتها، واختل انقيادها لأمر نبيها، وتهاونت في أسباب قوتها؛ كانت جديرة لقلة عددها بالهزيمة، ولا أدل على ذلك مما كان يوم أحد، وقد بوأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين مقاعد للقتال، وأمر الرماة ألا يبارحوا المكان، ولو رأوا النبي صلى الله عليه وسلم والأصحاب تخطفهم الطير([12]  فنصرهم الله عز وجل حال مراعاة توجيهات نبيهم، فلما بدا من بعض الرماة زلة لم تعد كونها اجتهادا خاطئا لم يتعمدوا فيه الإثم، حيث ظنوا أن الغزاة قد انتهت وحسم أمرها للمؤمنين، وولى المشركون الأدبار، فغادروا أماكنهم مبادرين يشاركون إخوانهم جمع الغنائم، فانقلبت موازين الغزاة من النصر إلى الهزيمة؛ فأنت ترى أن مخالفة اجتهادية لم تسعف نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منع الهزيمة عنهم، وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وبدنه، وابتلي ابتلاء أشد بفراق اثنين وسبعين من الأصحاب يندر أن يمشي على الأرض مثلهم.

على أن الذنب في الجماعة يوهن من قوة الجيش كثير العدد، ينبي عن ذلك: ما كان يوم حنين وقد أعجب الصحابة بكثرتهم[13]، فكان التولي والفرار، وانكشف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، لولا أن الله سلم واجتمع من حوله الأطهار من المهاجرين والأنصار، وكانوا قلة لم يتجاوزوا الأربعمائة، فأيدهم الله عز وجل بالنصر، وأغنمهم غنائم يشق على المرء عدها[14].

أما عن قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: 123]؛ فقد ذكرها الله عز وجل في سياق الحديث عن غزوة بدر؛ تذكيرا للمؤمنين بنعمة الله عليهم؛ إذ نصرهم عن قلة في العدد والظهر، واستظهارا لعزيمتهم على صلاح النفس وزكاتها، والصبر على البلاء جهادا أو غيره من أنواع العبادة، واستكثارا من زاد التقوى؛ ليعدوا أنفسهم لشكره على ما من به عليهم من النصر على عدوهم، وإظهار دينه، ولما هداهم من الحق؛ إذ من لم يروض نفسه بالتقوى؛ يغلب عليه الهوى، واتباع الشهوات، فلا يرجى منه الشكر لأنعم الله بصرفها فيما خلقت لأجله من الحكم والمنافع[15]. 

والمعنى في قوله تعالى: ﴿وأنتم أذلة﴾ [آل عمران: 123] أي: أذلة بقلة العدد المؤذنة بتجرد من الحول والقوة البشرية، وبتحقيق الخضوع والانقياد لله، والتجرد عن الأهواء والشهوات؛ قال الألوسي رحمه الله: "{وأنتم ‌أذلة} لله تعالى تحت ظل الكبرياء والعظمة "(18)[16].

وقال النيسابوري رحمه الله: "{وأنتم ‌أذلة} من غلبات شهوات النفس "(19). [17]

وفي حال الخطأ في التقدير أو الوقوع في المفاجأة المخوفة من العدو؛ يسع القائد الحكيم ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ويوم الطائف، وما وسع خالدا يوم مؤتة باجتهاد ينهي الصراع بأقل الخسارة، ودفع الهلكة عن الأجناد والذراري والأهلين، فمتى تحقق ذلك في القلة المؤمنة يرجى لها الظفر على عدوها.

 

فهل يمكن ونحن على الحال التي لم تخف على أكثر العالمين، ومع الإخفاقات الشديدة في كل الميادين، وقطاع غزة يعج بجرائم الغصب والربا وقتل النفس واحتكار الأقوات، وسب الله ودينه، وقطع الطريق، والاتجار في أقوات المنكوبين، والتسبب بنزوح الآلاف من الناس وهدم بيوتهم من ورائهم برجم صاروخ محدود التأثير، وقد لا يزعج العدو إلا بصوته، والتسبيب بجوع جعل آلاف الشباب كالسباع الضارية، وجعل بعض الماجدات بالأمس تتكسب بعرضها؛ لتحمي ولدها من الهلكة، وإهانة الشيوخ والنساء المثقلين بالأمراض بطلب الماء والقوت، ناهيكم عن التحالف مع بلد مبتدع بدعة لا أقبح منها([18][19]

 

فهل يسوغ -على ضوء هذا الواقع- أن نقسم بالله سبحانه أن النصر آت؟!، فيركن إليه الساسة، وتسكن به ضمائرهم، ويعظم به إصرارهم، ويطول بالناس أيام الحرج، ويزيد فيهم الهلاك والدمار في الأنفس والأبدان والعمران والديار، إن هذا والله لشيء عجاب!!

 

فما أحوج أهل القطاع إلى التوبة من الذنب، وتصويب الخلل، والإكثار من زاد التقوى، وإنزال الحاجة بالله سبحانه، والاتعاظ بقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98].

والله أسأل الفرج القريب، إنه سميع مجيب، والحمد لله على كل حال، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

بقلم أ.د. سلمان بن نصر الدايه

نشره بموقعه على الفيسبوك، أو تلغرام، بتاريخ 11 غشت 2025 

 

 

دفع الالتباس (2)

أفاد بعض الأفاضل أن انتقاد ساسة وقادة المقاومة في غزة أثناء جهادهم لعدوهم خيانة ونفاق.

 

أقول وبالله التوفيق: هذه جرأة منفكة عن مراقبة الله؛ فإن المؤمن قوي الإيمان من يراقب الله في أقواله وأعماله، مستحضرا قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1] أي: مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم، وسرهم وعلنهم، وجميع أحوالهم، مراقبا لهم فيها مما يوجب مراقبته، وشدة الحياء منه، بلزوم تقواه(1)[20].

وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [يونس: 61] يخبر تعالى عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم، وسكونهم، وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام؛ فقال: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ﴾ أي: حال من أحوالك الدينية والدنيوية ﴿وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ﴾ أي: وما تتلو من القرآن الذي أوحاه الله إليك ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ صغير أو كبير ﴿إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ أي: وقت شروعكم فيه، واستمراركم على العمل به، فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة، والاجتهاد فيها، وإياكم وما يكره الله تعالى؛ فإنه مطلع عليكم، عليم بظواهركم وباطنكم ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ أي: ما يغيب عن علمه وسمعه وبصره ومشاهدته ﴿مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾  أي: قد أحاط به علمه، وجرى به قلمه(2).[21]

وقوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18] أي: ما يتكلم من كلام يخرج من فيه، وما يعمل من عمل إلا عنده ملك حافظ يكتب قوله وعمله، معد مهيأ لذلك، حاضر عنده لا يفارقه(3)[22].

وقوله تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]، أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم؛ بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك، ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له، وكفها عما يكرهه الله تعالى(4)[23].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في جزء حديثه: (... وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ ‌مِنْ ‌سَخَطِ ‌اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)(5)[24]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (... وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، ‌الْمُلْتَمِسُونَ لِلْبُرَآءِ ‌الْعَيْبَ)، وفي رواية: (الْعَنَتَ)(6)[25].

بعد هذا التذكير أقول: هل يبعد أن يعلن بعض العلماء والساسة والمفكرين تخطئة حادثة السابع من أكتوبر، وتخطئة إصرار الساسة وقادة المقاومة على مواصلة جهادهم رغم الحصار المطبق، والعزلة الدولية، ومحدودية النكاية في الحربي، وفداحة تدمير الحربي لثلاثة أرباع قطاع غزة، وتقتيله عشرات الألوف من الغزيين، وتمثيله بعدد أكبر منهم، وأسره لآلافهم، ومجاعة أفقدتهم صوابهم؛ هل يبعد أن يعلنوا تخطئتهم ببواعث صالحة بعيدة عن الخيانة والنفاق، إلا أن تكون أيها الأخ الكريم محدثا، فحدثت أنهم جميعا خونة ومنافقون؟!

 

وأما عن قوله: لا يوجد في التاريخ من يعترض على القادة أثناء لقاء عدوهم؛

فهذا نفي تعوزه الدقة؛ فإن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنكرا على خالد بن الوليد رضي الله عنه اجتهاده فيمن ظنهم مشركين حربيين وكانوا مسلمين وذلك في سرية بني جذيمة؛ «قال ابن إسحاق: وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة: يا بني جذيمة، ضاع الضرب، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه. قد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف، فيما بلغني، كلام في ذلك، فقال له عبد الرحمن ابن عوف: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام. فقال: إنما ثأرت بأبيك. فقال عبد الرحمن: كذبت، ‌قد ‌قتلت ‌قاتل ‌أبي، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شر. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (مَهْلًا يَا خَالِدُ، دَعْ عَنْكَ أَصْحَابِي، فَوَ اللهِ لَوْ كَانَ لَكَ أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمَّ أَنْفَقْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكَتْ غَدْوَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا رَوْحَتَهُ)»(7)[26].

وعن الزهري، عن سالم، عن أبيه رضي الله عنهما، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله ‌لا ‌أقتل ‌أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ)( 8 )[27].

 وثبت عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، ... وجعل الأمر كله إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ...، وإنما عزله لرجحان مصلحة ظهرت له في أبي عبيدة، فلما بلغ كتاب عمر إلى أبي عبيدة.. أخفاه وتركه مصلحة بالناس على حالته، فعلم خالد بذلك، فعتب على أبي عبيدة حيث لم يعلمه بالعزل، وقال: والله؛ لو تولى علي عبد.. لسمعت وأطعت(9)[28].

وعزل عمر رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه لما ركب بالأجناد البحر، رغم تأييده بالكرامة؛ حيث يبس البحر من تحت أقدامهم يومئذ، ونجوا جميعا؛ لانزعاجه أن يقتحم القائد بجنده الأخطار مرجحا سلامتهم على أمل دوام تأييده بكرامة؛ قال ابن كثير رحمه الله: "ولما بلغ عمر ما صنع العلاء بن الحضرمي؛ اشتد غضبه عليه، وبعث إليه فعزله وتوعده، وأمره بأثقل الأشياء عليه، وأبغض الوجوه إليه"(10)[29].

فإن قلت: هذا إمام المسلمين، فله حق في إثبات من شاء وعزل من شاء، وبدء الحرب وإنهائها، وتضييقها وتوسيعها، وليس للعالم أن يعترض على سياسة قائد جنده.

أقول: هذا حق ما لم يكن القائد طائشا هجاما، وثمة قراءة أخرى للأثرين؛ أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما عظم الخطر من قائد الجند على مصلحة الأجناد؛ بادر إلى عزله، وإن العالم إذا رأى مفسدة عظيمة قد أتت على جل بلده؛ لضعف في الشوكة، وعدم في الإمداد، وخلل في فهم الجهاد، وتخلف ظاهر لمقصده؛ لا يسوغ له أن يسكت، سيما مع ضآلة النكاية في الحربي، وفداحة نكاية الحربي في أهل القطاع حتى فتن الكثير منهم في دينهم وأخلاقهم؛ فكانت من بعضهم الردة، وقتل النفس، والسرقة، والغصب، والأثرة، والزنا، والربا، والاحتكار، وأمراض النفس والعضو.

ولله در الشافعي رحمه الله قال: «ولا ينبغي أن يولي الإمام الغزو إلا ‌ثقة ‌في ‌دينه، شجاعا في بدنه، حسن الأناة، عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل، ولا نزق.. ولا يحمل المسلمين على مهلكة بحال، ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدخوا(11)[30] تحته، ولا دخول مطمورة(12)[31] يخاف أن يقتلوا، ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها، ولا غير ذلك من أسباب المهالك، فإن فعل ذلك الإمام؛ فقد أساء ويستغفر الله تعالى.. ولا يأمر القليل منهم بانتياب الكثير حيث لا غوث لهم.. وإذا حملهم على ما ليس له حملهم عليه؛ فلهم أن لا يفعلوه -أي: ألا يطيعوه-»(13)[32].

فهذا توجيه للأجناد عبر الأجيال أن القائد يتعين عليه توخي الأصلح لرعيته في مناحي حياتهم، ولو بدا للرعية تعسفه أو زيغه وضلاله، أو تهوره واندفاعه، أو عجزوا عن امتثال أمره؛ لم تلزمهم طاعته.

وفي الختام أسأل الأخ الكريم: إذا علمت أن غزة محاصرة من جهاتها الأربع، وأنها كتلة من البشر والبنيان، وأنها تستورد كل شيء من عدوها، وأنها جاهدت عدوها الحربي قريب عقدين من الزمن، وفي كل مرة يمنى أهل قطاع غزة بقتل وتدمير وتهجير، دون أن يتحقق لهم هدف من أهداف جهادهم، ولم يزالوا في حصار من حين أسر الجندي شاليط إلى أيامنا هذه؛ فعلى ماذا يعول الساسة والقادة والعلماء أمثالك؟! وما الذي تنتظرون؟!

على أن قتالنا لعدونا كفاحا متعذر؛ لضآلة ما عندنا من الشوكة وعظم ما عنده، وأن المجاهد لا يمكنه أن ينال من عدوه إلا على حين غرة مع الاستتار والتخفي، ثم ينتهي إلى نفقه المتخذ تحت البيوت وبعض المشافي والمؤسسات؛ ليكون جل أهل القطاع ترسا للقادة والأجناد، وقد اعتمدوا هذا سبيلا لجهادهم على توقع أن الحربي تمنعه أخلاقه من أن يضرب البيوت المأهولة بالناس، وعندئذ يأمن الناس والأجناد، وفي الحروب الأخيرة أراهم عدوهم خلاف ما يتوقعون؛ فهل الرأي عندكم وعند السادة العلماء الإصرار على هذه الطريقة التي أتت على ثلاثة أرباع القطاع، وتوشك أن تأتي على ربعه الآخر؟ إن هذا والله لشيء عجاب!!

والله أسأل الهدى والرشاد، والفرج العاجل لأهلي في القطاع، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد.

بقلم أ.د. سلمان بن نصر الدايه

عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة- سابقا

نشره بموقعه على الفيسبوك، أو تلغرام، بتاريخ 14 غشت 2025،

 

-----------

اقرأ المزيد

- د. سلمان الداية ،يا ليت قومي يعلمون - رسالة في الجهاد ، منشور مجلة البحوث الإسلامية - العدد 13، مارس 2017، الصفحات من 109 الى 162،  


- د. سلمان الداية ، أيّها السّاسة والقادة.. لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ، نشرته جريدة الأمة الإلكترونية، في جزئين، بتاريخ 21 أبريل 2025،  


- د. سلمان الداية ،أَيُّهَا السَّاسَةُ: أَوْقِفُوا هَذَا الْمَدَّ، منشور، موقعه الفيسبوك، بتاريخ 6 نونبر 2024،

- د. سلمان الداية ،أَيُّهَا السَّاسَةُ وَالْقَادَةُ وَالْعُلَمَاءُ.. لَسْنَا قَطِيعَاً مِنَ الْمَاشِيَةِ فِي أَرْضِكُمْ ، موقع الشيخ بالفيسبوك، بتاريخ 21 يوليوز 2025،




[1] - عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا ‌يلتمس ‌الأجر ‌والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له) فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له)، ثم قال: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه) [صحيح، أخرجه: النسائي/سننه(٤٣٣٣)(4/٢٨٦)] ، وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن الرجل ‌يقاتل ‌شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله) [أخرجه: مسلم/صحيحه(١٩٠٤)(3/١٥١٣)].

[2] - قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 102-103]، وقد ذكرت الآية في مقدمة الحديث عن غزوة بدر وأحداثها.

[3] - قال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9].

[4] - قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45].

[5] - قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].

[6] - قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم ‌إنهم ‌جياع فأشبعهم) ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا، وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا.[حسن، أخرجه: أبوداود/سننه(٢٧٤٧)(3/٧٩)].

[7] - عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: «خرج رسول الله قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة، أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال: (فارجع، فلن ‌أستعين ‌بمشرك)، قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة، أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، قال: (فارجع، فلن ‌أستعين ‌بمشرك)، قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة: (تؤمن بالله ورسوله؟)، قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فانطلق) [أخرجه: مسلم/صحيحه(١٨١٧)(5/٢٠٠)] ، وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد حتى إذا ‌جاوز ‌ثنية ‌الوداع إذا هو بكتيبة جيش، فقال: (من هؤلاء؟) قالوا: هذا عبد الله بن أبي في ستمائة من مواليه من اليهود من بني قينقاع قال: (وقد أسلموا؟) قالوا: لا، يا رسول الله، قال: (مروهم فليرجعوا، فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) [رجاله ثقات، أخرجه: الطبراني/المعجم الأوسط(٥١٤٢)(5/٢٢١)].

[8] - دليله ظاهر بالتواتر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

[9] - قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4].

[10] - دليله حاضر في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وأحد ومؤتة وغيرها.

[11] - قال تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 249-251].

[12]  - فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرماة: (‌احموا ‌ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل، فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا) [حسن، أخرجه: أحمد/مسنده(2609)(4/ 369)]، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، يحدث قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد، وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير رضي الله عنه، فقال: (إن رأيتمونا ‌تخطفنا ‌الطير فلا تبرحوا مكانكم، هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم) [أخرجه: البخاري/صحيحه(3039)(4/ 65)].

[13] - قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: 25].

[14] - قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 26].

[15] - انظر: المراغي/تفسيره(4/32).

[16] - الألوسي/تفسيره(2/ 268).

[17] - النيسابوري/تفسيره(2/ 256).

[18] - حيث يدعون أن القرآن خالطه التغيير والتبديل، وأولوا بعض ألفاظه بتأويلات باطنية فاسدة، ويعتقدون أن للنجوم والكواكب تأثيرا على الحوادث الأرضية، وينفون الأسماء والصفات عن الله، ويرون النسخ بداء -وهو نسبة الجهل لله-، ويعتقدون أن النبوة تنال بالكسب والمجاهدة، وأن منزلة الأئمة فوق منزلة الرسل، وأن الأئمة خلقوا من نور، وأن الوحي لم ينقطع بوفاة النبي  ص، وأن الشيعة لا يعذبون في النار، وأن الآخرة بيد الأئمة وهم الذين يحاسبون الناس، وأن الإقرار بولاية الأئمة شرط في صحة الإيمان، وأن الأئمة معصومون عن الصغائر والكبائر، وأن الأئمة يوحى إليهم، ويستحلون الأعراض بالمتعة، وأن التقية واجبة، ويعتقدون أن الصحابة قد ارتدوا بعد نبيهم إلا قليلا منهم، ويكفرون أبا بكر وعمر، ويتهمون الصديقة الطاهرة رضي الله عنها بالزنا، وينتقصون أمهات المؤمنين إلا خديجة رضي الله عنهن أجمعين، ويرون وجوب مخالفة أهل السنة. [انظر: عقيدة الخميني – رسالة علمية (ماجستير) نوقشت في قسم العقيدة في كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة للدكتور محمد يحيى سكيك].

وقد أخرج الطبراني بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة، قاتلوهم فإنهم مشركون) [أخرجه: الطبراني/المعجم الكبير(١٢٩٩٨)(12/ ٢٤٢)، وقال الألباني: حسن]

وعن أبي التياح عن أبي السوار العدوي قال: قال عليٌّ رضي الله عنه: "ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في، وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي". [أخرجه: ابن أبي عاصم /السنة (2/ 476)، وقال الألباني: إسناده صحيح]

وعن أبي البختري ؒ قال: قال عليُّ رضي الله عنه: "ليحبني قوم حتى يدخلهم حبي النار، وليبغضني أقوام حتى يدخلهم بغضي النار". [أخرجه: ابن أبي عاصم /السنة (2/ 476)، وقال الألباني: إسناده جيد]، وكلا الأثرين في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس للعقل فيهما مدخل.

وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله، أنه كان يقول: "إذا لقيت صاحب بدعة في طريق، فخذ في طريق آخر" [أخرجه: أبو نعيم/حلية الأولياء (3/ 69)].

وعن أبي الجوزاء رحمه الله قال: "لأن أجالس القردة والخنازير، أحب إلي من أن أجالس رجلا من أهل الأهواء"[أخرجه: أبو نعيم/حلية الأولياء(3/ 78)]. 

وعنه رحمه الله، قال: والذي نفسي بيده لأن تمتلئ داري قردة وخنازير، أحب إلي من أن يجاورني أحد من أهل الأهواء، ولقد دخلوا في هذه الآية ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا﴾  [آل عمران: 119]" [أخرجه: أبو نعيم/حلية الأولياء(3/ 78)].

[19] - فإن قيل: يجوز التحالف مع بلد مبتدع للحاجة؛ فقد استعان النبي ص ببعض المشركين.

أقول: الجواز مقيد بقيود ليست مقصورة على الحاجة، منها: أن يكون المستعان به مأمونا من الغدر والخيانة، ومنها القدرة الغالبة عليه إذا خان وغدر، وكلا الشرطين مفقود، على أن الاستعانة بالمبتدع أخطر من الاستعانة بالكافر؛ لأن النفس تنفر من الكفر غالبا، وقلما تعتنق دينه، لكنها لا تنفر من البدعة إلا أن تكون عالمة، والبدعة أسرع في الناس من النار في الهشيم؛

 

[20] - السعدي/تفسيره(ص163).

[21] - السعدي/تفسيره(ص367).

[22] - مجد مكي/تفسير المعين(ص519).

[23] - السعدي/تفسيره(ص457).

[24] - أخرجه: البخاري/ صحيحه(٦١١٣)(5/ ٢٣٧٧).

[25] - حسن، أخرجه: الطبراني/المعجم الصغير(835)(2/ 89).

[26] - ابن هشام/السيرة النبوية(2/ 431).

[27]  - أخرجه: البخاري/صحيحه(4339)(5/ 160).

[28] - الطيب بامخرمة/ قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر(1/ ٢٧٦).

[29] - انظر: ابن كثير/البداية والنهاية(7/97).

[30] - الشدخ: كسر الشيء الأجوف، ومعناه هنا: يخاف أن ينهدم عليهم الحصن، أو تسقط عليهم بعض حجارته فتكسر عظامهم تحته.

[31] - المطمورة: الحفيرة تحت الأرض، وهي بلغتنا المعاصرة: الخندق أو النفق.

[32]  - الشافعي/الأم(4/ 178).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تجربة غزة ليست الجزائر: قياس مع الفارق، ✍ محمد بلمعلم

  كثيرًا ما يخرج من يقيس تجربة غزة اليوم على تجربة الجزائر في نيل استقلالها. غير أن هذا قياس فاسد وخطير. الجزائر كانت دولة قائمة لها أرضها...