رافقت والدي في اجراءات شراء الحق في كراء محل تجاري، وقد سمح لي هذا الحدث بالوقوف على ظاهرة غريبة نوعا ما، وهي ان المشرع يسن قوانين، وتدخل حيز التنفيذ بنشرها في الجريدة الرسمية، لكن المكري والسلطات المكلفة بتنزيل هذا القانون على أرض الواقع مازالوا يعملون بقانون صدر منذ سنة 1955، لا تكاد تستسيغ عقولهم دخول قانون جديد حيز التنفيذ، إذ تخبرهم ان القانون الجديد قد ازال حق الموافقة الذي كان للمكري المالك، وخوله حق شفعة، فلا يصدقون.
كان يشترط قانون ماي 1955 الخاص بكراء المحلات التجارية لانتقال الحق في الكراء موافقة صاحب الملك، وبالضرورة كانت مناسبة لهذا الأخير للمطالبة بالمال لقاء موافقته، وكذا الزيادة في السومة الكرائية، جاء قانون 16. 49، الصادر في يوليوز 2016، وألغى بمقتضى المادة 25 منه هذه المقتضيات، وأحل محلها حق شفعة لفائدة المكتري (1)، يجب ممارسته داخل أجل شهر من تبليغه بعقد بيع الحق في كراء المحل التجاري الذي يملكه.
عندما تحرر العقد وتذهب الى مكتب المصادقة على التوقيعات، هنا سوف تصدم بأن الموظف المكلف بتصحيح الإمضاء لا يعلم بهذا المقتضى الجديد، ويقول لك "ليأتي معك مالك المحل التجاري، أو احضر لي موافقة كتابية منه"، ويرفض ظلما وعدوانا تصحيح الامضاء بين البائع والمشتري، لكي يتم تبليغ العقد للمكري، ومن تم يمارس حق شفعته خلال 30 يوم إذا رفض هذا التفويت والانتقال للغير.
قد نجد العذر للمكري في الجهل بهذا المقتضى الجديد، ولكن ماذا عن الموظف العمومي، بل إني وصلت الى رؤساء مصالح تصحيح الامضاء، ولم أفلح في تصحيحه لديهم، الا بعد هاتف من نائب عمدة المدينة يؤكد وجود المقتضيات القانونية الجديدة.
ما الحل؟ الحل هو وجوب الذهاب لتحرير عقد تفويت الحق في الكراء عند موثق، بمعنى تحرير العقد في اطار محرر رسمي وليس عرفي، ستكلفه الإدارة تكاليف مالية إضافية، لكن خير من الخضوع لابتزاز المكري ومن معه (2).
تترسخ القاعدة القانونية في الضمير الجمعي فتصير عرفا (3)، يصعب بعده على المجتمع تقبل قاعدة قانونية جديدة، تحتاج هاته الأخيرة هي ايضا الى عامل الزمن حتى تصير حقيقة مقررة، والى صدور قرارات قضائية توقظ النائم من سباته، ويعلم أنها قاعدة قانونية جديدة واجبة التطبيق، لم نتعود ان نرى في البلدان العربية نوعا من العصيان المدني تجاه قاعدة ما، ربما كانت المادة 25 من قانون 16.49، تؤرخ لعصيان مدني في غير محله، لأن القاعدة القانونية الجديدة مشروعة، وضعت حلا للبلوكاج الذي تعود عليه أصحاب المحلات التجارية بغية أكل أموال الناس بالباطل.
° باحث في القانون الخاص بجامعة باريس 1
-----
(1) يسمي المشرع هذا الحق بحق أفضلية، وهذا غير صحيح لأن هذا الأخير يكون قبل البيع، اما العقد موضوع المادة 25 فهو ينشأ بعد البيع، لذلك فهو حق شفعة وليس حق تفضيل.
(2) تجدر الإشارة هنا ان في فرنسا لا يوجد شيء اسمه مصلحة تصحيح الإمضاء، بناء الثقة في المواطن، ومن تبث انه يزور المحررات فإنه سيؤدي الثمن غاليا، ويكون عبرة لغيره
(3) و ربما كان حق الموافقة للمكري عرفا ثم قرر بموجب قاعدة قانونية ظهير ماي 1955.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق