مقترح تعديل المادتين 277 و 280 من كتاب الوصية:
مشروعية جمع الوارث بين الوصية والارث،
بقلم: محمد بلمعلم °
قال تعالى: " الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين"، ومع ذلك نجد أنفسنا محتاجين الى التأكيد والقول أن جمع الوارث بين الوصية امر مشروع وجائز، فالشارع الحكيم أمر بالوصية للوالدين والاقربين بشكل عام سواء كانوا ورثة ام غير ورثة، وأتبع ذلك بقوله مؤكدا: "حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين"، ومع ذلك يوجد من الفقه من يعطل هذا النص الصريح في مجال التشريع بخبر آحاد، ضعيف: "لا وصية لوارث"، علما انه يمكن التوفيق بين النصين المتعارضين بالقول انه يجوز للوارث عموما الاحتفاظ بوصيته بدمجها في نصيبه المفروض له ارثا ( أ)، وما زاد عن ذلك يحتفظ به الوارث في حدود الثلث او الربع او النصف، بحسب عدد أبناء الهالك، وليس بالضرورة دائما الثلث المستفاد من حديث آحاد (ب).
أ: مقترح تعديل المادة 280 من كتاب الوصية: " الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ"
نص القانون المدني الفرنسي على مسألة جميلة، تتعلق بإمكانية جمع الوارث بين الوصية وحظه في الميراث، حيث أنه نص على أنه يمكن الوصية للوارث، غير أن هاته الوصية تدمج في نصيبه بالميراث ([1])، فمثلا لو كان نصيب الوالد أو الوالدة في الإرث الربع اذا لم يكن للهالك ولد ([2])، فإن الوصية تدمج في هذا النصيب، وإذا تجاوزت الوصية مقدار حظهما في الإرث، فإن الزائد يدمج في الثلث أو الربع أو النصف الذي يجوز ان يوصى به ([3])، فما زاد عن الثلث هو الذي لا يحق للوارث ان يحوزه، ويجب عليه رده على التركة او ما يعرف في القانون الفرنسي بالاحتياطي la réserve .
ومن هنا فكرة وجوب إعادة النظر في مسألة كون قوله تعالى: "الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ" آية منسوخة، بخبر آحاد: "لا وصية لوارث"، ويُطرح التساؤل كيف استطاع جانب من الفقهاء ان يتجرؤوا على نسخ كتاب الله، فالآية محكمة وغير منسوخة، بل يجب التفكير في طريقة لإعمالها وتنزيلها، أو على الأقل الجمع بين النصين المتعارضين، ومن ذلك ما عرضنا له في ضوء القانون الفرنسي، أي أن الوصية التي يوصي بها الابن لوالديه أو أحدهما، تكون هي نصيب الوالد أو الوالدة من الإرث، وإذا تجاوزت الوصية النصيب المفروض إرثا، هناك اجتهادان:
أولهما: ان يرد الوالدين قيمة ما زاد عن حدود نصيبهما المفروض إرثا، مع احتفاظهما بالوصية العينية، ورد الفائض منها نقدا، ودون ان يعلق ذلك على شرط موافقة الورثة.
وثانيهما وهو الأحسن، ان يرد الوالدين أو الأقربين ما زاد من الوصية عن حدود الثلث الموصى به، فإذا كانت الوصية تتجاوز نصيب الإرث، لكنها لا تستغرق حدود الثلث، فليس عليهما رد شيء.
وتجدر الإشارة هنا أن إخواننا الإباضية يعملون بهذا الاجتهاد، بشكل يفيد أن القانون الفرنسي كان مسبوقا في هذا الأمر، فالإباضية قالوا بأن قوله تعالى "الوصية للوالدين والأقربين" آية مُحكَمة وغير منسوخة، فالوالدان يُوصى لهما، وان كانا من الورثة، وبالتالي فإنهم لا يأخذون بحديث أنه "لا وصية لوارث"، لأن الآية محكمة وصريحة تفيد الوصية للوارث، كما ان الاباضية لا يقولون بالناسخ والمنسوخ ([4]).
هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن حديث "لا وصية لوارث"، خبر آحاد، ذكر الباحثون ([5]) أنه حديث "منقطع أخذه الإمام الشافعيّ من أهل المغازي التي تحوي كل المرويات المتعلقة بالسيرة النبوية ".
ومذكور في فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني ([6]) أنه "حديث مرفوع، كأنه لم يثبت على شرط البخاري فترجم به كعادته، واستغنى بما يعطى حكمه . وقد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي أمامة سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته في حجة الوداع: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث".
يلاحظ من نص هذا الحديث المرفوع، أن النبي ذكره في خطبة حجة الوداع، التي حج معه (ص) فيها حوالي سبعون 70 ألف حاج على اقل تقدير([7])، فالمفروض ان يروي هذا الحديث أكثر من صحابي، فلماذا تفرد راو واحد في كل السلسلة والطبقات.
في الحقيقة يجب على المشرع ان يلتزم بخطة مفادها، انه في يتعلق بالتشريع والحلال والحرام لا يقبل الا بالحديث العزيز، أي ما رواه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى أن يصل إلى منتهى السند، فالشهادة لا تقبل إلا من اثنين، اما إذا تعلق الأمر باب الفضائل فإننا نقبل حتى بالحديث الضعيف، باعتبار أننا نأخذ بأقوال الحكماء من أي ملة ودين، ولا نشترط فيها أي شرط شروط صحة الحديث (انظر موقع اسلام ويب). لكن السؤال الذي يطرح هل يجوز للوالدين والأقربين أن يحوزوا الوصية المدمجة في الإرث ومازاد عنها في حدود الثلث حتى ولو كان للهالك أكثر من ثلاثة أبناء؟ اليس الثلث في هذه الحالة كثير؟
ب: مقترح تعديل المادة 277 من كتاب الوصية: حديث "الثلث والثلث كثير"
يجوز الجمع بين الحظ في الإرث والوصية للوارث، بدمجها في حظ الموصى له من الإرث، وما زاد منها يدمج في الثلث الجائز ان يوصى به، دون ان يتوقف ذلك على موافقة الورثة وإجازتهم، وهنا يجب توضيح شيء آخر مهم جدا، يتعلق بالنسبة التي يجوز ان يوصى بها الموصي للغير، وهو انه إذا كان للهالك أكثر من ثلاثة 3 أبناء، فإن للوالدين او للوراث عموما الشيء الموصى به في حدود حظه من الإرث، وما تجاوز حظ الإرث نقترح في ضوء القانون المدني الفرنسي (المادة 913) أن يدمج في حدود الربع فقط من التركة بعد سداد الديون، وليس الثلث كما تنص على ذلك المادة 277 من مدونة الأسرة، دون تفريق بين من له ابن واحد فقط ومن له أكثر من ثلاثة أبناء.
يقول صلى الله عليه وسلم (إذا صح الحديث) "الثلث والثلث كثير"، فالحديث يفيد أنه يجوز للمشرع أن يتدخل تشريعيا للتقليص من نسبة الثلث، بأن تُحصر الوصية في الربع مثلا ([8]). فإذا كان من خلاف فإنه سيكون بخصوص التدخل التشريعي الذي يسمح للمالك بأن يتصرف بماله وصية في أكثر من الثلث، أو بخصوص التعديل الذي يلغي كل حد وشرط واقف او فاسخ تعلق عليه تصرفات الموصي المضافة لما بعد الموت.
بداية حديث "الثلث والثلث كثير”، هو ايضا مثل حديث "لا وصية لوارث" خبر آحاد، رواه ابن شهاب عن عامر بن سعد بن ابي وقاص ([9])، مرة اخرى نكرر مع غيرنا من الباحثين أنه في التشريع والحلال والحرام نحتاج إلى حديث عزيز، أي ما رواه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى أن يصل إلى منتهى السند. خاصة أنه في متن الحديث مذكور أن سعدا رضي الله عنه كان له ابنة واحدة، وهذا الأمر يجب التحقق منه، لأن سعدا كان له في حياته 12 زوجة، وله من الأبناء الذكور 18 ابن، وله من الإناث 18 ابنة ([10]). الأمر الذي يطرح علامات استفهام بخصوص قول الراوي على لسان سعد رضي الله عنه: "فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة". هل فعلا كان له في هذا الوقت ابنة واحدة، وهو الذي تزوج في حياته 12 زوجة وله ستة وثلاثون 36 ابن؟ !
كما أني لا أدري كيف استخلص الفقهاء من الحديث المذكور ان الوصية لا تجب الا في حدود الثلث، علما ان الحديث المحتج به يتحدث عن الصدقة، وتصرفات المريض مرض الموت، حيث أن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه، كان مريضا ويريد أن يتصدق بماله، فلما عاده النبي ص سأله : " ... أفأتصدق بثلثي مالي قال لا، قال قلت أفأتصدق بشطره، قال: لا، الثلث والثلث كثير"، فالحديث هنا عن الصدقة، والهبة والعطية، التي يبرمها المريض، أما الوصية فهي تصرف مضاف الى ما بعد الموت، بموجبها يتم توزيع التركة بإرادة صاحب المال (وهذا هو الأصل)، الى جانب التوزيع الذي يكون بصريح القانون.
وعلى كل حال يظهر من نص الحديث أنه ليس امر توقيفي، بل هناك من ير ان الحديث لا يخرج عن نطاق النصيحة الخاصة لسعد بن ابي وقاص ([11])، فالأمر جاء على سبيل الندب أو الكراهة لا على سبيل الوجوب، حيث يمكن ان يتدخل المشرع في تحديد النسبة الممكن ان يوصى بها بشكل متدرج ومتنوع ومتمايز، ليس بالضرورة ان تكون النسبة في جميع الحالات الثلث، بل يمكن ان يكون الحد الربع، والثلث، وفي حالة يمكن ان يكون الموصي حرا في التصرف بنصف ماله، كما يحق له ان يتصرف بكل ماله بالوصية عند انعدام الورثة.
خلاصة القول ان المالك مسلط على ماله، له ان يتصرف فيه كما يشاء، وإذا كان من تدخل تشريعي فهو لحفظ مصلحة الأطفال بالدرجة الأولى، لذلك اقترح، في ضوء التشريع المقارن، تدخلا تشريعيا بموجبه اذا كان للموصي اكثر من ثلاثة أبناء، فالوصية لا تجوز الا في حدود الربع، واما إذا كان له طفلان فالوصية في حدود الثلث، واما اذا كان له طفل واحد فاحتياطي الورثة يكون النصف، وللموصي الحق في ان يتصرف بالنصف الآخر وصية، دون ان يعلق ذلك على شرط موافقة الورثة (المادة 303 من المدونة)، فحق الموافقة من عدمه لا يكون قانونا الا لمن كانت له صفة شريك في المال.
° باحث في القانون الخاص
بجامعة باريس 1، بنتيون - السوربون
° باحث في القانون الخاص
بجامعة باريس 1، بنتيون - السوربون
[1] - Article 758-6 code civil français.
[2] - في القانون المدني الفرنسي الفروع يحجبون الأصول للأسف.
[3] - للتبسيط فقط، اما في القانون المدني الفرنسي هناك ما يعرف ب la quotité disponible
[4] - أعتقد ان الفارق بين ما ذكرت وعمل اخواننا الإباضية، هو أنهم لا يقولون بدمج الوصية في نصيب الميراث، وأن ما علا وزاد يدمج في إطار الثلث الجائز التوصية به، وأن ما زاد على الثلث يجب ان يُعاد به على التركة.
[5] - مروان محمد عبد الهادي، مروان عودةٌ إلى اَلتَّنْزِيل الْحَكِيم وَالْعَوْدِ أحمدُ، دار الفيسبوك.
[6] - ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، موقع اسلام ويب.
[7] - Voir : https://ar.islamway.net/fatwa
[8] - ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع))؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث، والثلث كثير))، وأوصى الصديق رضي الله عنه (بالخمس). موقع الرسمي لابن باز.
[9] - يجب التفريق بين عامر بن سعد وعمر بن سعد، هذا الأخير هو من قاد الجيش الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام، اما عامر بن سعد فهو أخوه من ابيه سعد بن ابي وقاص، امه هي مكيتة بنت عمرو، اما الثاني القاتل فأمه هي مارية بنت قيس.
[11] - مروان محمد عبد الهادي، "عودةٌ إلى اَلتَّنْزِيل الْحَكِيم وَالْعَوْدِ أحمدُ"، دار الفيسبوك، يقول الباحث: "الرواية التي اعتمدها أصحاب الاختصاص، ورثة الأنبياء .. وهي ليست أكثر من ذلك، في حصر مقدار الوصية بالثلث، يرى بوضوح تام بأنَّ ما نُسب إلى النبي الكريم- إن صَحَّ عنه- لا يخرج عن نطاق النصيحة الخاصة لسعد ابن وقاص، والخالصة لوجه الله لتطبيق قوله تعالى على أرض الواقع: وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (البقرة: 180) فحصر مقدار الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف أو لغير الوارثين بالثلث وما دونه، هو من باب التقول والاستدراك على الله تعالى، وأكثر من ذلك، خروج عن حدوده."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق