ظاهرة تحريف النصوص عند النصارى من الإنجيل إلى مدونة نابليون
حكى القرآن الكريم كيف ان النصارى حرفوا وغيروا وبدلوا النصوص السماوية، واليوم لقد رأينا بأم اعيننا كيف ان النصارى شعارهم تبديل وتحريف النصوص، اليوم حان الدور على مدونة القانون المدني الوضعي التي عمرها قرنان من الزمان 1804. حرفوا وبدلوا بما يتوافق مع اهواء المتحكمين الجدد، بدلوا مدونة القانون المدني الفرنسي التي خرجت من رحم الثورة، ليعودوا الى النصوص ما قبل الثورة. مثلا جاءت المدونة للقضاء على تقييد حرية الملكية بحق الشفعة، ولم تستبق الا بعض الحالات التي اساسها القانون وليس الارادة. اليوم بموجب التحريف الاخير ل 2 فبراير 2016. جاء ليؤسس لحق شفعة اساسه مجرد سلطان الإرادة، الاصل انه مجرد حق تفضيل، في حالة عدم احترامه، الجزاء يكون في شكل تعويض مالي، ليصير اليوم حق عيني يخول صاحبه في حالة عدم احترام الاتفاق الحق في وضع اليد على الشيء المبيع نفسه. لقد رجعوا بنا الى نصوص ايام البورجوازية والأرستقراطية المتحكمة، صدق من قال التاريخ يعيد نفسه. نشهد زمان عودة التحكم بهيلمانه وبقوانينه.
واليوم بدأ بعض الفقه الفرنسي بالنزول الى المغرب للتبشير بالتعديلات الأخيرة على أمل ان تحدو التشريعات العربية حدو المشرع الفرنسي وتحقق للنافدين والمتمولين ما يطلبونه في إطار القانون المدني ([1]).
فكما يقول المثل المغربي الشهير "الجديد له جدة والبالي لا تفرط فيه"، لا يجب التطبيل والتزمير لهاته التعديلات الفرنسية الجديدة، اعتقادا منا انها الخير كله، بل انها تحوي من المصائب ما لا يعلمه الا المتخصصون (الأبالسة) الذين يعلمون ما تتضمنه من شر، ويسوقونه على انه الخير للجميع.
ما اود قوله بهذه المناسبة الأولى من نوعها، هو تحدير البلدان العربية من مغبة تقليد المشرع الفرنسي فيما أجراه من تعديلات أخيرة، لقد كان القانون المدني الفرنسي الذي تم ارساءه منذ 1804، واقتبست منه العديد من التشريعات المدنية العربية، بخير وعافية ولم تكن هناك أي حاجة لتعديله، خاصة مع الاجتهاد القضائي الذي كان يسهم في مسايرة النصوص للواقع المتجدد، والحال ان التغيير الذي تم القيام مؤخرا ما هو الا تتويج وتمكن الرأسمال الليبرالي من الأخذ بزمام الأمور، ومن تم عمله على تغيير الترسانات التشريعية بما يحقق ويتوافق مع مصالحه واغراضه، بدأ بالتشريعات المتعلقة بالمال والأعمال، والآن جاء دور التشريعات المدنية والقانون الذي يشكل الأرضية والأساس لكل التشريعات الأخرى.
هذا التعديل في القانون المدني الفرنسي جاء ليدخل بموجب نص قانوني ما يعجبه من الاجتهادات القضائية الموافقة لهواهم، وحتى يطمئنوا أنه لن يأتي اليوم الذي قد تغير محكمة النقض الفرنسية رأيها واجتهادها، وتعود لاجتهاد يحمي الطرف الضعيف في العلاقة، وجاء أيضا ليكسر كل اجتهاد قضائي لم يفلحوا في اقناع محكمة النقض في تغييره مثل جزاء خرق اتفاق التفضيل، وجزاء التراجع في الوعد بالبيع قبل اعلان المستفيد عن رغبته في الشراء.
كما جاء هذا التعديل بدواهي أخرى تتعلق بحذف نظرية السبب، وتجدر الإشارة هنا انه لم يحذف التشريع الفرنسي نظرية السبب، لقد حذف فقط الاسم، اما هي باقية ضمن حنايا المصطلح الجديد والمعروف "بمحتوى العقد"، فهذا المحتوى يحوي بالضرورة نظرية المحل والسبب ([2]).
وهناك أيضا كما سبقت الإشارة ان حق التفضيل صار يخول للمستفيد الحق في المطالبة بالحلول محل المشتري حسن النية او سييئها، كأنه حق شفعة عيني وليس حق تفضيل شخصي ([3])، هذه كلها أمور يجب الحذر معها وعدم اتخاذ أي قرار بتغيير وتعديل القانون المدني العربي على ضوء الفرنسي، خاصة في البيئة العربية، التي فيها التراجع عن الوعود بسهولة، ستكون هناك فتنة اذا قلت للمالك "ان وعدت ثم تراجعت، جزاء هذا الخطأ ليس أداء تعويض مالي، او فقدان العربون الذي دفعت، بل سوف يتم تجريدك من مالك وعقارك، ويعطى للموعود المستفيد ضدا على ارادتك الجديدة، حتى ولو عبرت عليها قبل صدور قبول المستفيد.
من يعتقد انه بعد تدوين الاجتهادات القضائية في إطار مشروع قانون، لن يكون هناك مجال بعد ذلك للاجتهاد القضائي في مادة المسؤولية المدنية فهو واهم، سوف يبق الاجتهاد القضائي يلعب نفس الدور الذي كان له في إطار القانون المدني 1804، مثلا المشروع الجديد يتحدث فقط عن الضرر الناتج عن الاشياء المادية، ولا يذكر شيئا عن الضرر الناتج عن الأشياء غير المادية، أكيد ان القضاء سوف يساير التطورات، ويلحق في الحكم حتى الأشياء غير المادية، الى غير ذلك من الوقائع والمستجدات[4].
لنا عودة لهذا الموضوع ابين فيه باقي المقتضيات الجديدة والخطيرة التي لا يمكن ان تكون محل اتفاق واجماع، وإذا تم تمريرها في فرنسا فلسنا مجبرين على قبولها في تشريعاتنا العربية.
محمد بلمعلم
[1] - لن تأل القطاعات البنكية ودوائر المال والأعمال جهدا، كي تجند من الأساتذة من يعمل على تشجيع المشرع المغربي على تبني مثل هاته التعديلات الجديدة، بل هناك من سيقوم بهذا العمل مجانا سذاجة منه، او بحسن نية انه بذلك يخدم شعبه ووطنه.
[2]- اعلم ان هاته الامور تحتاج الى شرح بالنسبة للبعض، وما يمكن قوله الآن ان نظرية السبب كانت ممتازة، تسمح للقضاء بإبطال كل عقد مجحف، مختل التوازن بين الطرفين، حيث لا يوجد أي سبب يبرر أن يبقى معه أحد المتعاقدين ملزم بهذا العقد.
[4] - خلاصة ندوة "القاضي والقانون المسؤولية المدنية" المقامة يوم الجمعة 19 مايو 2017، بمحكمة النقض الفرنسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق