بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أمّا بعد:
إنّ النّاظر في مواقف ساسة القطاع وقادته، وفتاوى بعض العلماء مع ما يُرَى عليهم من قرائن الارتياح رغم فداحة الكارثة المتعاظمة يومًا بعد يوم؛ يَجِدُهَا مُوَافِقَةً إلى حدّ كبير حال رجل له قطيع من بهيمة الأنعام، وأرض واسعة ترتع فيها بهائمه، فهو يتصرّف بها كيف يشاء تصرّف المالك، وخفي على رجالاتنا أنّ مصالح العامّة مقدّسة موسومة في الشّرع بحقّ اللّه، وأنّ التّهاون فيها تهاون في حقّ اللّه عزّ وجلّ، وقد ذكرت تأصيل هذه الفائدة في بعض مقالاتي، ولا أشكّ أنّ هؤلاء مسؤولون عند اللّه عزّ وجلّ، وأنّ أشدّهم مسؤوليّةً: العلماء الّذين أطاشوا عقول السّاسة والقادة بفتاواهم الموظّفة في سياسة إخوانهم، وقد صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (إِنَّ اللَّهَ يُعَافِي الْأُمِّيِّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا لَا يُعَافِي الْعُلَمَاءَ) [1]وتجاهل هؤلاء أنّ اللّه تعالى رحم عباده بنبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم، فتركهم على المحجّة البيضاء.
فمن رحمته صلى الله عليه وسلم: أنّه قدّم لأمّته أحكام الجهاد في حال الضّعف، وهي حاله في مكّة المكرّمة، وأوّل سنيّ هجرته إلى المدينة، وبيّن لهم أنّ القول والفعل مع المناوئ يجب أن يكون مقيّدًا بما يحفظ مصلحة العامّة: دينًا، ونفسًا، وعرضًا، ونسلاً، فإذا انتظمت مصلحتهم بالصّبر واحتمال الأذى؛ لَزِمَ، وإذا تعذّر ذلك إلّا بالهجرة حيث المكان الآمن؛ لزم، وهو ما كان منه صلى الله عليه وسلم.
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم: أنّه قدّم لهم الاهتمام برعاية مصلحة العامّة في مراحل دعوته أثناء بناء دولته، فاستدفع غيظ كثير من المناوئين له من أهل الكتاب والمشركين داخل المدينة وخارجها بالعهود والمواثيق وَالصُّلُوحِ وَالْهُدَنِ، فإذا اشتدّ غيظهم وغلبتهم عداوتهم، وجاؤوا لقتاله؛ كان يحرص على استدفاعهم بالأسلم لأصحابه ديناً، ونفساً، وعرضاً، ومالاً؛ بترك إذعارهم، والتّخندق، وثنيهم عن قتاله بالمال.
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم: أنّه قدّم لهم فقه الجهاد في حال القوّة، فمن سفه العقل وضحالة الفهم أن يفتى بفقه القوّة في حال الضّعف، والعكس، ومن إغلاق العقل وطمس البصيرة: الإصرار على خطأ الاجتهاد وعدم التّدارك رغم المفاسد الجسام: هلاك الأنفس، وتشوّه الأبدان، وذهول العقول، وانتهاك الأعراض، وَفُرْقَةِ الأزواج، وَجُوعٍ أَهْلَكَ المريض والكبير، وأبكى المرأة والصّغير، وأوهن الشّباب الصّحيح، وسبّ اللّه والرّسول، وَجُرْأَةٍ على سفك الدّم الحرام، ناهيكم عن النّزوح المصحوب بالآلام والأحزان واللّعنات على المتسبّب، وعلى العدوّ الّذي فاق إجرامه تصوّر الأحلام.
وما درى العلماء والسّاسة أنّ اللّه تعالى ينصب يوم القيامة لكلّ غادر لواءً؛ فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ) [2]
أي: أعظم الغدر وأقبحه ما كان من أَمِيرِ عَامَّةٍ؛ بِنَقْضِهِ عُهُودَهُمْ، وإضاعته أمانتهم، وتكليفه ما يحرجهم، وحرمانه الشّفقة عليهم والرّفق بهم، وسبب عِظَمِ قُبْحِهِ: أنّ غدره يعمّ الرّعيّة جميعًا.
وما درى هؤلاء أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا على الْمُحْرِجِ لِرَعِيَّتِهِ بالشّقاء في الدّنيا والآخرة؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ؛ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، ...) [3]أي: اللّهمّ اجعل حياته شقاءً، وعيشه ضنكاً.
وما درى هؤلاء أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبر بحرمان المتهاون بحقّ العامّة من الجنّة مع السّابقين، أو بحرمانه منها أبدًا إذا كان من المستحلّين؛ فعن معقل بن يسار المزنيّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) [4]
أي: كلّ صاحب رعيّة إذا مات مُصِرًّا على إضاعة أمانة رعيّته من جانب الوجود بجلب ما ينفعهم، ومن جانب العدم بمنع ما يضرّهم؛ لم يدخل الجنّة مع السّابقين، ويحتمل عدم دخولها أبدًا إذا كان مستحلًّا إضاعة أمانتهم.
ومن وسط هذه الأوجاع الّتي لم تسكن عن النّاس ولو لحظةً من ليل أو نهار؛ أوجّه الرّسائل الآتية:
الأولى: إلى ولاة الأمر في مصر والسّعوديّة والأردنّ والإمارات وقطر وبلاد المغرب كلّها، أذكّركم الله في بلادنا المنكوبة، وقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وَقَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ...) [5]
فنهيب بكم أن يكون لكم حضور في التّأثير على ساستنا وقادتنا وعلى عدوّنا بقدر ما تطيقون، وحضور في تنظيم شؤوننا الدّاخليّة: الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّعليميّة وغيرها إلى أن تستقرّ أمورنا في مناحي حياتنا.
الثّانية: إلى العلماء الفضلاء ورثة الأنبياء في بلادنا العربيّة والإسلاميّة في مؤسّساتها الدّينيّة والعلميّة: أرجو أن يكون لكم موقف علميّ إفتائيّ لما يحدث في واقعنا الغزّيّ، وتحديداً في مواقف ساسة القطاع، وما يفتي به بعض العلماء؛ فإنّ أهلكم في القطاع والضّفّة يقتّلون ويجوّعون ويشرّدون وتقصف بيوتهم، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وتصعّبت فيهم الأمراض، وتمكّنت منهم الفاقة، واستشرى في كثير منهم سوء الخلق، من عدوّ لا يرحم رضيعًا ولا عجوزًا ولا مريضًا ولا هرمًا فانيًا، ومن ساسة في الخارج لم تتغيّر وتيرة تصريحاتهم المستخفّة بالدّماء والأعراض والبنيان والأموال.
الثّالثة: إلى الشّباب وطلّاب العلم: احفظوا قلوبكم وعقولكم حُرَّةً كما خلقها اللّه، ولا تضربوا عليها الرِّقَّ بجعلها ضمن أُطُرِ الأحزاب الّتي توظّف عقولكم وقلوبكم وجوارحكم وفق مصالحها، وإن كانت مصادمةً لمصالح الكلّ في فلسطين.
الرّابعة: إلى الأحزاب والحركات ذات الأذرع المسلّحة: وطّنوا أنفسكم على حقيقة قرآنيّة نبويّة: لن ينجح جهاد شوكة ويدوم إلّا باستقامة الأنفس على الهدى، ومكارم الأخلاق، وقويم العادات، ووحدة الكلمة، ونبذ الفرقة، وجماع هذا كلّه في قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]، وَلِذٰلِكَ أَنْصَحُ بِتَقْدِيمِ حُكُومَةٍ أَبَوِيَّةٍ تَحْتَ إِدَارَةِ السُّلْطَةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ [لأنها ذات السيادة على الضفة، وإنَّ إناطة المسؤولية بغيرهم يكرس الفرقة بين غزة والضفة، ولأنها ذات القبول الظاهر عربياً ودولياً، ولأنها الأقدر على تحمل الأعباء الثقال التي خلفها العدوان في قطاع غزة]، تدعمها قوّة عربيّة؛ لتعينها في تسيير مصالح بلدنا في مناحيها المختلفة، ولتقوى على ضبط الأمن، وترويض الأنفس الّتي شذّ طبعها إبّان هٰذه الحرب الضّروسة، ويتوحّد فيها السّلاح ولا يكون مع غيرها؛ لتتمكّن من تقرير الهيبة؛ فإنّها بريد الأمن ونجاح مصالح العامّة، وإلّا سيظلّ أهل القطاع مقيّدين بمصالح تلك الأحزاب وناهيك بهذا مفسدةً، وتعنى -أي: الحكومة- بتحقيق السّلطات الثّلاث: التّشريعيّة، والقضائيّة، والتّنفيذيّة، وتولي القضاء استقلاليّةً تامّةً، وتخوّله مراقبة ذوي المسؤوليّة العامّة؛ ليكبح بقضائه الصّارم تغوّل السّاسة والقادة من التّهاون في مصالح بلدنا، وتكرير هٰذه المفاسد المهلكة؛ فإنّ هذا من أُسِّ ديننا، ويكون من حولها رجالات الفكر، والسّياسة، والاقتصاد، والطّبّ، والهندسة، والخبراء، والوجهاء، والعوائل، والعشائر، وَتُنَاصَحُ -أَيِ: الْحُكُومَةُ- دائمًا بالأبويّة والنّزاهة والعدالة ومنح الفرص لأهل الإبداع والتّميّز، واستبعاد الاعتبارات الحزبيّة والفكريّة والمذهبيّة والعشائريّة؛ وإنّي إذ أذكّر بهٰذا لأحلف باللّه الّذي لا إلٰه إلّا هو أنّي لست تحت قُبَّةٍ حِزْبِيَّةٍ، وليس بيني وبين أيّ جهة داخليّة أو خارجيّة أيّة نجوى، وليس لأيّ حزب أو حركة أو هيئة يَدٌ عَلَيَّ بمال أو بغيره، وما ذكرت هٰذا إلّا معذرًا للّه تعالى ثمّ لأهلي في فلسطين، ومؤدّيًا أمانة العلم بقدر ما أعطاني اللّه، ولقد حلفت؛ لأقطع على المشاغب شغبه وسوء ظنّه.
الخامسة: إلى الشّباب المجاهد الّذين يخرجون إلى عدوّهم من بين الرّكام مقدّمين أرواحهم للّه تعالى: أَشْهَدُ أنّكم على شجاعة قد انعدم نظيرها، غير أنّكم تتسبّبون بمفاسد كارثيّة من تجويع وتقتيل وتشويه وتدمير وتهجير ما عاد يجد الحيّ من النّازحين مكانًا يؤويه تَذُوبُ فيها نكايتكم بعدوّكم، ولستم بمعذورين في ذلك، سيّما وقد رأيتم من طريقة عدوّكم آلاف المرّات ما يحدثه من الكوارث من جرّاء ما تفعلون، وما شرع الجهاد إلّا لحفظ مصالح النّاس، ومتى تخلّف عن حفظها، أَوْ ذَرَّعَ إِلَى نَقْضِهَا؛ فليس بجهاد، بهذا أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فعن سهل بن معاذ بن أنس الجهنيّ، عن أبيه رضي الله عنه قال: غزوت مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا، فضيّق النّاس المنازل، وقطعوا الطّريق، فبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي في النّاس: (أَنَّ مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا؛ فَلَا جِهَادَ لَهُ) [6]، فإذا بَطَلَ جِهَادُ من أزعج المارّة بيسير مشقّة لا تعدو بطاءةً في مسيرهم بسبب ضيق الطّريق، أو خُطَىً زائدةً بسبب غلقه؛ فكيف بمن تسبّب بهلاك الأنفس، واستئصال المدن والبلدات، ونزوح ضاق به المكان، وجوع تَصْغُرُ أمامه كلّ هذه الكوارث العظام، وما زلتم مصرّين على طريقتكم رغم ما تَرَوْنَ من إصرار عدوّكم على التّقتيل والتّشريد والتّدمير والتّجويع.
فاربؤوا بأنفسكم أن تكونوا من الْلَّعَّانِينَ؛ فقد حدّث نبيّكم صلى الله عليه وسلم أمّته بقوله: (اتَّقُوا الْلَّعَّانَيْنِ) قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) [7]، الحديث أمر باتّقاء لعن النّاس؛ باجتناب ما يؤذيهم في مَشَامِّهِمْ بِتَخَلِّيهِ في طريقهم أو ظلّهم، فكيف بمن يؤذيهم بتسبيبه في هلاك آبائهم وأمّهاتهم وفلذات أكبادهم، ونسف بيوتهم، وتجويع بطونهم، وإسقام أبدانهم؟!
أقول للشّباب المجاهد بأمانة ما أعلم: واللّه الّذي لا إله إلّا هو لا يناسب أهل القطاع المحاصر من جهاته الأربع، والمستورد أساسيّات حياته من عدوّه، وفي ظلّ الواقع العربيّ والإسلاميّ المثقل بالأزمات؛ إلّا جهاد النّفس على الفضيلة ومكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وحفظ الأمانات، ونبذ الفرقة والانقسام، والانسلاخ من الأحزاب…
السّادسة: إلى ساسة المقاومة وقادتها وعلمائها في الخارج: لا يجوز اتّخاذ أهل القطاع تَرَسًا لِمَصَالِحِ حِزْبِكُمْ، سيّما بعد ما أراكم اللّه عجز المقاومة عن تحقيق أهدافها الّتي أعلنتم، فالأقصى ما زال مغلقًا منذ أسابيع ولم يفتح، وقوافل الشّهداء والمصابين والنّازحين والجوعى والمرضى الّذين يتّهدّدهم الموت، وقضم الأرض وتقطيعها، واستئصال كلّ ما عليها لم تزل على زخمها وعنفها، فما هي المعجزة الّتي تنتظرون؟! وهل قرأ العلماء [بعض علماء الاتحاد ورابطة علماء المسلمين] قديمًا أو حديثًا أنّ المسلمين أو غيرهم قد أَعَدُّوا لهزيمة عدوّهم إحراجه بين الدّول، أو إساءة وجهه، أو إلباسه ثوب النّازيّة، من فظاعة تقتيله وتدميره في المسلمين وهدم ديارهم، كما أومأ بذٰلك بعض القادة والعلماء؟!! إنّ هذا واللّه لشيء عجاب.
أقول للأشياخ العلماء: أليس ممّا تعلمون أن قواعد الشّرع جارية على تقديم المصلحة الأعمّ على المصلحة الأخصّ، والكلّيّة على الجزئيّة، والضّروريّة على الحاجيّة فضلًا عن التّحسينيّة، إلّا أن يكون المخصّص أو النّاسخ عندكم هو جهاد الدّفع المعزول عن مقصده كما تصرّحون؟!! وهو في الحقيقة نظر مغرق في البعد، أغبطكم على شجاعتكم ولا أشكّ أنّكم مسؤولون عن مليوني مسلم في القطاع لم يتأخّر عنهم لون مّن العذاب قطّ، واللّه أسأل العفو والعافية.
السّابعة: إلى عدوّنا الإسرائيليّ الّذي لا يرقب فينا إلّاً ولا ذمّةً: أقول: إنّ للخصومة شرفاً، وإنّكم أهل كتاب أنزله الله عزّ وجلّ على كليمه موسى عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: 44]، ولقد اجتمعت الدّيانات السّماويّة على أصول، منها: ترك معاقبة المدنيّ بما يكون من المقاتل، وترك معاقبة العاجز والضّعيف والكلّ بما يكون من القويّ المباشر، وترك معاقبة المسالم بما يكون من المحارب؛ من ذلك: ما ذكر الله تعالى في كتابه خبراً عن يوسف الصّدّيق وإخوته عليهم الصّلاة والسّلام؛ قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ﴾ [يوسف: 78-79]، وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].
فما بالكم تقتلون الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى وتجيعونهم وتمنعون عنهم الطعام والدواء والكساء، والمسكن، وتخربون الديار بدعوى أنكم تستهدفون من آذاكم.. تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
الثّامنة: إلى الدّول الأجنبيّة جميعاً: إنّكم أهل الإنجيل.. أنزله الله عزّ وجلّ على نبيّه عيسى عليه السلام كلمة الله وروح منه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: 171]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 46]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: 82]، أقول: لقد طال العدوان علينا، وقد أتى على مقدّرات بلدنا المحاصر منذ سنين، أخاطبكم من منطلق أنّ إلهنا واحد، وأنّنا أصحاب كتب سماويّة، وأنّنا جميعًا لآدم عليه السلام أن يكون لكم تأثير فاعل في وقف العدوان، وتحقيق الأمن والسّلام، فنحن في فلسطين من حقّنا أن نعيش بحرّيّة واستقلال، وطمأنينة وسلام؛ أسوةً بشعوب العالم كلّه.
وَاللَّهَ تَعَالَى أَسْأَلُ أن يقع خطابي هذا منكم جميعًا موقع القبول المؤيّد بالعمل والإنسانيّة والرّحمة.. اللّهمّ آمين.
والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد.
كتبته د.سَلْمَانُ بنُ نَصْرٍ الدَّايَه
عَمِيدُ كُلِّيَّةِ الشَّرِيعَةِ وَالْقَانُون بِالْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِغَزَّةَ- سَابِقَاً،
مع بعض الاختصار
مصدر المقال بدون تصرف: موقع الشيخ بالفيسبوك، بتاريخ 21 يوليوز 2025،
-------------
اقرأ المزيد
- د. سلمان الداية ،يا ليت قومي يعلمون - رسالة في الجهاد ، منشور مجلة البحوث الإسلامية - العدد 13، مارس 2017، الصفحات من 109 الى 162،
- د. سلمان الداية ، أيّها السّاسة والقادة.. لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ، نشرته جريدة الأمة الإلكترونية، في جزئين، بتاريخ 21 أبريل 2025،
- د. سلمان الداية ،أَيُّهَا السَّاسَةُ: أَوْقِفُوا هَذَا الْمَدَّ، منشور، موقعه الفيسبوك، بتاريخ 6 نونبر 2024،
[1] [صحيح مرسل، أخرجه: الخطيب البغدادي/اقتضاء العلم العمل(ص80)، أبو نعيم/حلية الأولياء(2/224)]،
[2] [أخرجه: مسلم/صحيحه (١٧٣٨)
[3] [أخرجه: مسلم/صحيحه (1828)
[4] [أخرجه: مسلم/ صحيحه (١٤٢)
[5] [أخرجه: البخاري/صحيحه(2442)
[6] [حسن، أخرجه: أبو داود/سننه(٢٦٢٩)(2/345)]
[7] [أخرجه: مسلم/صحيحه(269)(1/ 226)]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق